/ الفَائِدَةُ : (120) /

27/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / المباشر للأَفعال الإِلٰهيَّة طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة/ إِنَّ ما ورد في بيان الإِمام الصّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في جوابه على سؤال الزنديق عن الباري ـ الُمسَمَّىٰ ـ (عَزَّ وَجَلَّ) وصفاته ، قال : « ... فيُعَاني الأَشياء بنفسِهِ ؟ قال أَبو عبد اللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هو أَجَلُّ من أَنْ يُعانِيَ الأَشياء بمباشرةٍ ومُعَالَجَةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صفة المخلوق الَّذي لا تجِيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرة والمُعالَجة ، وهو مُتعالٍ نافذ الإِرادة والمشيئة ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشَاءُ » (1) برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ الَّذي يُباشر الأَفعال الإِلٰهيَّة ويأتي بها مخلوقات إِلٰهيَّة مُكرَّمة ، وقد أَشار الكم الغفير الهائل من بيانات الوحي الأُخرىٰ إِلى أَنَّ رأس هرم تلك المخلوقات المُكرَّمة : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة . فانظر ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « أَنَا دحوتُ أَرضها ، وَأَنْشأتُ جبالها ، وَفَجَّرت عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وَأَطعمتُ ثمارها ، وَأَنْشَأَتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وَأَضحيتُ شمسها ، وَأَطلعتُ قمرها ، وَأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ، وَأَنا البحر القمقام الزَّاخر ، وسكَّنتُ أَطوادها ، وَأَنشأَتُ جواري الفلكَ فيها ، وَأَشرقتُ شَمسها ، وَأَنا جنب اللّٰـه وكلمته ، وقلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغفر لكم خطاياكم وَأَزيد المُحسنين ، وبي وعلى يديّ تقوم السَّاعة ، وَفيَّ يرتاب المبطلون ، وَأَنا الأَوَّل والآخر ، والظَّاهر والباطن ، وبكلِّ شيء عليم »(2). ثانياً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... وَأَنا الأَوَّل وأَنا الآخر ، وَأَنا الباطن وَأَنا الظَّاهر ، وَأَنا بكلِّ شيءٍ عليم ، وَأَنا عَين اللّٰـه ، وَأَنا جنب اللّٰـه وَأَنا أَمين اللّٰـه على المرسلين ... وَأَنا أُحيي وَأَنا أُميت ، وَأَنا حي لا أَموت »(3). ثالثاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السفينة بأَمر رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بِأَمر رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَخرجتُ إِبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرْتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنا المنادي من مكانٍ قريبٍ قد سمعه الثقلان : الجنّ والإِنس ، وفهمه قوم ، إِنِّي لأُسمع كُلّ قومٍ [يوم خ.ل] الجَبَّارين والمنافقين بلغاتهم ، وَأَنا الخضر عَالِم موسىٰ ، وَأَنا مُعَلِّم سليمان بن داود ، وَأَنا ذو القرنين ، وَأَنا قُدرة اللّٰـه عزَّوجلّ ... إِنَّ مَيِّتَنا لم يَمُت ، وغائبنا لم يَغِب ، وإِنَّ قتلانا لَنْ يُقتلوا ... لِأَنَّا آيات اللّٰـه ودلائله ، وحُجَج اللّٰـه وخلفاؤه وأُمناؤه وَأَئِمَّتَه ، ووجه اللّٰـه وعين اللّٰـه ولسان اللّٰـه ، بِنَا يُعَذِّبُ اللّٰـهُ عباده ، وبِنَا يُثيب ... وَلَو قال قائل : لِمَ وكيف وفيم ؟ لكفر وَأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ... »(4). رابعاً : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «يا عَلِيُّ ، كُنتَ مع الأَنبياء سِرّاً ، ومعي جهراً »(5). خامساً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « كُنْتُ مع الأَنبياء باطناً ، ومع رسول اللّٰـه ظاهراً »(6). سادساً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مُخاطباً أَبا حنيفة ، عن كنز الفوائد للكراجكي ، قال : « ذُكر : أَنَّ أَبا حنيفة أَكَلَ طعاماً مع الإِمام الصَّادق جعفر بن محمَّد عَلَيْهِما السَّلاَمُ ؛ فلَمَّا رفع عَلَيْهِ السَّلاَمُ يده من أَكله قال : الحمد للّٰـه ربِّ العالمين ، اللَّهُمَّ إِنَّ هذا مِنكَ ومن رسولكَ . فقال أَبو حنيفة : يا أَبا عبداللّٰـه ، أَجعلتَ مع اللّٰـه شريكاً ؟ فقال له : ويلكَ، إِنَّ اللّٰـه تعالىٰ يقول في كتابه : [ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ](7) ، ويقول في موضع آخر : [ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُه ](8) . فقال أَبو حنيفة : واللّٰـه لكأَنِّي ما قرأتهما قَطُّ من كتاب اللّٰـه ، ولا سمعتهما إِلَّا في هذا الوقت . فقال أَبو عبداللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : بَلَىٰ ، قَدْ قرأتهما وسمعتهما ، ولكنَّ اللّٰـه تعالىٰ أَنزل فيكَ وفي أَشباهكَ : [ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُـهَا ](9) ، وقال : [ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ](10) »(11). سابعاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وَلَولَا ما نَهَىٰ اللّٰـهُ عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكرٌ فَضَائلَ جَمَّةً تعرِفُها قلوبُ المؤمنين ، وَلَا تَمُجُّها آذانُ السَّامعينَ ، فَدَعْ عنكَ مَنْ مالَت به الرَّمِيَّةُ ؛ فإنَّا صَنَائعُ ربُّنا، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ... »(12). ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : « ... ونحن صنائعُ ربُّنا ، والخلق بعد صنائعنا ... »(13). ودلالتها قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما كانت طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة : وسائط الفيض الرُّبوبي ، والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ الأَدنىٰ بين الخالق (جلَّ وتقدَّس) وجملة العوالم وسائر المخلوقات كانت عللاً فاعليَّة ؛ تفيض الوجود على ما تعلَّقَت به المشيئة والإِرادة الإِلٰهيَّة ، فخُلقت السَّماوات والأَرضين ومَنْ فيهنَّ وما بينهنَّ بأَيدي وقوىٰ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة . إِذَنْ : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة إِضافة لكونها عللاً غائيَّة هي علل فاعليَّة ؛ إِذْ الباري (تقدَّست أَسماؤه) ـ كَمَا تقدَّم ـ يَتَنَزَّه عن مباشرة الأَشياء بنفسه ، بل مُنزَّه عنها ، وإِنَّما هي من شأن المخلوقات المُكرَّمة ؛ لاحتياج الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء ، وسائر الأَشياء والمفاعيل إِلى مُحاذاة وقرب وحركة ، وملابسة وملامسة ومباشرة ومعالجة ، واستنزال وزوال وما شاكلها من أَفاعيل وصفات وشؤون المخلوقات ، والباري (عظمت آلاؤه) مُنَزَّه عن جميع ذلك بالضَّرورة الوحيانيَّة والعقليَّة. فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... يا ظاهراً بلا مشافهة ، يا باطناً بلا ملامسة ... يا أَوَّلاً بغير غاية ، يا آخراً بغير نهاية ، يا قائماً بغير انتصاب ، يا عَالِماً بلا اكتساب ... »(14). 2ـ بيان الإِمام الكاظم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فَمَنْ ظَنَّ باللّٰـهِ الظنون فقد هَلَكَ وَأَهلكَ ، فاحذروا في صفاته من أَنْ تقفوا له على حَدٍّ من نقص أَو زيادة ، أَو تحريك أَو تَحَرُّك ، أَو زوال أَو استنزال ، أَو نهوض أَو قعود، فإنَّ اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) عن صفة الواصفين ، ونعت النَّاعتين ، وتوَهُّم المُتَوهِّمين »(15). 3ـ بيان الإِمام الرَّضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... عظم ربِّي وجلَّ أَنْ يكون في صفة المخلوقين ... »(16). ومن ثَمَّ اقتضت الضرورة لمخلوقات مُكرَّمة تفعل أَفاعيل الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وتقوم مقامه (تقدَّس ذكره) ، وهي على طبقات ، طبقاتها الصَّاعدة : (حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ، وطبقاتها النَّازلة : (الملائكة المقرَّبين وأَجنادهم) ، فإِسرافيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ مثلاً ـ يحيي ، لكنَّ إِحياء طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس . وعزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ مميت ، لكنَّ إِماتة طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَرقىٰ وأَعلىٰ ، وأَشَفُّ وأَلطف ، وأَعظم قوَّة وسلطنة وهيمنة من دون قياس ، وعلى هذا قس ما يقوم به سائر الملائكة عَلَيْهِم السَّلاَمُ كـ : (ميكائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ الموكَّل في إِيصال الأَرزاق إِلى المخلوقات) ، و(جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ الموكَّل في الإِيحاء النَّازل) ، و(رضوان عَلَيْهِ السَّلاَمُ المُوكَّل في الجنان ونعيمها) ، و(مالك عَلَيْهِ السَّلاَمُ المُوكَّل في جهنَّم وجحيمها وعذابها) ، فإِنَّ الطَّبقات الصَّاعدة لهذه الأَفاعيل صادرة من طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر طبقات حقائق بقيَّة أَهْل الْبَيْتِ بعد طبقات حقيقة سيِّد الأَنبياء (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم أَجمعين). ومن ثَمَّ يتَّضح : كم هائل وخطير ومهول جِدّاً من بيانات الوحي المعرفيَّة والعقليَّة الأُخرىٰ ـ الآتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ذِكْر ما يُمثِّل بعض طوائفها ـ الَّتي حام حومها أَتباع مدرسة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، لكنَّهم لم يطوفوا طورها ؛ لعدم تحمُّلهم ما ورد فيها من حقائق وحيانيَّة ومعرفيَّة وعقليَّة ، ومقامات ومراتب وفضائل وكمالات جليلة وعظيمة وخطيرة جِدّاً لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، صادمة ومذهلة ومرعبة ، وصاكَّة لأَسماع العوالم والمخلوقات ، وفوق طاقة التَّصوُّر والتَّعَقُّل ، فعمدوا إِلى إِسقاط حُجِّيَّتها سنداً من خلال رمي رواتها ـ مع أَنَّهم من أَعمدة وأَساطين أَصحاب الأَئمَّة صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم ـ بـ : الغلو ، والتَّخليط ، ونقل المناكير وما شاكلها ، أَو إِسقاط حُجِّيَّة متونها من خلال لَيّ أَعناق دلالاتها، وتَشَبَّثُوا له بأُمُورٍ تَشَبُّث الْغَرِيق بلِحْيَته ، أَو التَّوقُّف فيها ، وإِحالة أَمرها إِلى أَهلها (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) على أَحسن الأَحوال. لكنَّه : بعد أَنْ اِسْتَسْمَنْتَ ذَا وَرَم ـ حصلت هذه الطفرة العلميَّة والعقائديَّة والمعرفيَّة الَّتي نعيش الآن أَيَّامها المباركة ، المنتشلة من الظلمات والغواشي ، والمُقرِّبة إلى عوالم النُّور والحبور ، والبهاء والسرور ، المُخرجة لِمَنْ له عينين من الحُجُب الظلمانيَّة ـ بزغت هذه البيانات وغيرها ماثلة لكلِّ عينٍ ، مالئة لكُلِّ سمعٍ ، وتجلَّت بحور خضم زاخرة ، يعبُّ عبابها ، وتصطخب أَمواجها ، فيها درر زاهرة ، وجواهر ناصعة ، ونور ساطع في عقول المخلوقات كالشَّمس الضاحية ، وأَدلَّة وحيانيَّة قطعيَّة الصدور والدلالة بالقطع العقلي ، بل والوحياني ، ودلائل ظاهرة قاطعة ، وبراهين واضحة باهرة ، وحجج بالغة ساطعة على شيء جسيم ، يفوح منها مدىٰ عظمة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فكن ذا عينين تفز بالحسنيين ، فقد أَلزمتكَ وأَفحمتكَ الحُجَّة ، بعد أَنْ أستفحل الدَّليل وانسدَّ طريق الإِنكار بما لا يخفىٰ أَو يُستر ، فلا يبقىٰ مجال لموقف الشَّكِّ أَو ميدانٍ لمُشكِّك ، فاصغ إِليها سمعكَ ، وذلِّل لها فهمكَ ، واشغل لها قلبكَ ؛ لتعرف من أَين تُؤْكل الكتف ؛ لتلتقط درر الحقيقة من بحور بياناتها ، وهي وإِنْ بَعُدَ الباحث والمُحقِّق والعارف في الغور والغوص فيها ، لكنَّه لا ينال حقيقة بحورها المُوَّاجة ، ولا يُدرِك قُعُورها الوَهَّاجَة ، ومن ثَمَّ تصبح آراء أُولئك وتأويلاتهم كمثل غيم علا فاستَعلىٰ ، ثُمَّ استغلظ فاستوىٰ ، ثُمَّ تمزَّقَ فانجلا رويداً ، ويتَّضح أَنَّها كالشَّمس بلا حجاب وستار على غير أَصلٍ فنِّيٍّ ، وقاعدةٍ صناعيةٍ ، فيكون منهج خُدْعَة مُخالف لِـمَا قامت عليه بيانات الوحي ، بل ظاهرة التَّكليف ، بيِّنة التَّوليد ، تخطب على نفسها أَنَّها فخفخة قول مِمَّنْ داخله الشَّكّ واستولىٰ عليه الرَّيب ، مُحجِّرة للعقول ومميتة للحقائق ، وأَباطيل خُيِّلت لهم وخُلطت عليهم ، ومفتريات اختلقوها من تلقاء أَنفسهم . وهذا ليس سبّاً وحطّاً لمقام أُولئكَ ، وإِنَّما بيان حقيقة . والسَّلام . / خارطة جملة عوالم الخلقة برسم وتخطيط أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ ومِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ المستفاد من بيانات الوحي : أَنَّ خارطة مسار جملة عَالَم الدُّنيا برسم وتخطيط أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بل وخرائط مسارات كافَّة العوالم وجميع مخلوقاتها ، كـ : عَالَم البرزخ ، وعَالَم الرَّجعة ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وعوالم ما بعدها ، بل وعوالم ما قبل هذه النشأة الأَرضيَّة لم تكن إِلَّا بتخطيطهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) وهندستهم وتنفيذهم . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ المُتقدِّم ـ : « ... أَنا دحوتُ أَرضها ، وأَنشأتُ جبالها ، وفجَّرتُ عيونها ، وشققتُ أَنهارها ، وغرستُ أَشجارها ، وأَطعمتُ ثمارها ، وأَنشأتُ سحابها ، وَأَسمعتُ رعدها ، ونوَّرتُ برقها ، وأَضحيتُ شمسها ، وأَطلعتُ قمرها ، وأَنزلتُ قطرها ، ونصبتُ نجومها ... وسكنتُ أَطوادها ، وأَنشأتُ جواري الفلك فيها ، وأَشرقتُ شمسها ... ادخلوا الباب سجّداً أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ، بي وعلى يديّ تقوم السَّاعة ... »(17). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... أَنَا مُنزل الملائكة منازلها ... أَنا المُنادي لهم : أَلستُ بربِّكم ؛ بأَمر قيُّوم لم يزل ... أَنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أَخبرتكم لكفرتم ... أَنا منشئ الأَنام ... أَنا صاحب النجوم ، أَنا مُدبِّرها بأَمر ربّي ... أَنا المُعطِي ، أَنا المُبذِل ، أَنا القابض يدي على القبض ... أَنا صاحب القطر والمطر ، أَنا صاحب الزلازل والخسوف ... أَنا صاحب الغيث بعد القنوط ... »(18). 3ـ بيان خطبته صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « أَنَا عندي مفاتيح الغيب ... أَنا أَقمتُ السَّماوات بأَمر ربِّي ... أَنا أَمر الحي الَّذي لا يموت ، أَنا ولي الحقّ على سائر الخلق ... أَنا المفوَّض إِلَيَّ أَمر الخلائق ، أَنَا خليفة الإِلٰه الخالق ... أَنا أرسيتُ الجبال الشَّامخات ، وفجَّرتُ العيون الجاريات ... أَنَا مُقدِّر الأَقوات ، أَنا ناشر الأَموات ، أَنا منزل القطر ، أَنَا مُنَوِّر الشَّمس والقمر والنجوم ، أَنَا قيِّم القيامة ... أَنَا محصي الخلائق وإِنْ كثروا ... »(19). 4ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، الوارد في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... هذا كُلّه لآل محمَّد لا يُشاركهم فيه مُشارك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ... »(20). 5ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن سلمان (رضوان اللَّـه عليه) ، قال : « ... وإنَّ اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) جعل أَمر الدُّنيا إِلَيّ ... قال سلمان : ... ثُمَّ إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهيت [فانتهينا خ. ل] إليه ، وإذا هو من زمرِّدة خضراء وعليها [وعليه خ. ل] ملك على صورة النسر ، فلَمَّا نظر إلى أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال الملك : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أَتأذن لي في الكلام ؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام وقال له : إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإِنْ شئتَ أَخبرتُكَ عمَّا تسألني عنه . فقال الملك : بل تقول أنت يا أمير المؤمنين . قال : تُريد أَنْ آذن لَكَ أَنْ تزور الخضر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قال : نعم ، فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قد أذنتُ لَكَ ... فقال سلمان : يا أَمير المؤمنين ، رأيتُ الملك ما زار الخضر إِلَّا حين أَخذ إذنكَ . فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : والَّذي رفع السماء بغير عمدٍ ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفسٍ واحدٍ لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن ، وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين ... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لَـمَا اِحْتَمَله جَنَانكم ... »(21). 6ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ اللَّـه لم يزل فرداً مُتَفَرِّداً في الوحدانيَّة ، ثُمَّ خلق محمَّداً وعليّاً وفاطمة عَلَيْهِم السَّلاَمُ ... وفوَّض أَمر الأَشياء إِليهم في الحُكم والتصرُّف والإِرشاد ، والأَمر والنهي في الخلق ؛ لأَنَّهم الولاة فلهم الأَمر والولاية والهداية ، فهم أَبوابه ونوَّابه وحجَّابه ، يُحلِّلون ما شآء ، ويُحرِّمون ما شآء ، ولا يفعلون إِلَّا ما شآء ، عباد مُكرمون ، لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ... »(22). 7ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن المفضَّل بن عمر، قال : « ... فقلتُ له : يابن رسول اللَّـه ، فعَلِيّ ابن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُدخل مُحبّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك ؟ فقال : يا مفضَّل ... فَعَلِيّ ابن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأمر اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) ، يا مفضَّل ، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله»(23). 8ـ إِطلاق بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن إِسماعيل بن عبد العزيز ، قال : « قال لي جعفر بن مُحمَّد عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ رسول اللّٰـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان يُفوَّض إِليه ... وإنَّ اللّٰـه فوَّض إِلى مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نبيّه فقال : [ مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ](24) ، فقال رَجُلٌ : إِنَّما كان رسول اللّٰـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مفوَّضاً إِليه في الزَّرع والضَّرع ، فلوّىٰ جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ عن عنقه مُغضباً ، فقال : في كُلِّ شيءٍ ، واللّٰـه في كُلِّ شيءٍ »(25). 9ـ بيان زيارتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الجامعة : « ...السَّلام عليكم يا أَهل بيت النُّبوَّة ، وموضع الرسالة ... وقادة الأُمم ... وساسة العباد ... اِصْطَفَاكمْ بعلمه ... وفوَّض إِليكم الأُمور ، وجعل لكم التَّدبير ، وعرَّفكم الأَسباب ... وأَعطاكم المقاليد ، وسخَّر لكم ما خلق ... إِياب الخلق إِليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ... وأَمره إِليكم ... لم تزالوا بعين اللَّـه وعنده ، وفي ملكوته تأمرون ، وله تخلفون ، وإِيَّاه تُسبِّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافُّون حتَّىٰ مرَّ بكُم علينا ، فجعلكم في بيوتٍ أَذن اللَّـه أَنْ تُرفع ويُذكر فيها اسمه ... »(26). 10ـ بيان زيارة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين عَلِيّ ابن أَبي طالب ... السَّلام عليكَ يا ... صاحب الدُّنيا ... السَّلام عليكَ يا حافظ سرّ اللّٰـه ، وممضي حكم اللّٰـه ، ومجلي إِرادة اللّٰـه ، وموضع مشيَّة اللّٰـه ... وولي الملك الدَّيَّان ... السَّلام عليكَ يا عماد الجبَّار ... السَّلام عليكَ يا مشهوراً في السَّماوات العليا ، ومعروفاً في الأَرضين السَّابعة السفلىٰ ... السَّلام عليكَ أَيُّها النَّازل من عليِّين ، والعَالِم بما في أَسفل السَّافلين ... اجتباكَ اللّٰـه لقدرته ، فجعلكَ عصا عزِّه ، وتابوت حكمته ... »(27). ودلالة الجميع واضحة ، ولا غبار عليها . ومن ثَمَّ لا تكون بياناتهم المعرفيَّة وسِيَرُهم وأَفعالهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم استراتيجيَّة حضارة فحسب ، بل واستراتيجيَّة عوالم ومخلوقات لا يعيها سائر البشر ، بل ولا سائر الأَنبياء والملائكة المُقرَّبين عَلَيْهِم السَّلاَمُ . ومن ثَمَّ فلسفة بياناتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) وسِيَرِهم وأَفعالهم ليست محدودة بأَمد زمانيّ دنيويّ ، بل ولا بعَالَم الدُّنيا برمَّته ؛ فإِنَّ ساحة القدس الإِلٰهيَّة وَظَّفَتْهُم لرسم خارطة مسار جملة العوالم وطُرّ المخلوقات . ومنه يتَّضح : مدىٰ وضوح جملة الخريطة التَّكوينيَّة واستراتيجيَّة العوالم ومخلوقاتها لدىٰ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أُصول الكافي ،1: 60ـ61/ح6. هذا برهانٌ وحيانيٌّ من بديع المعاجز العلميَّة والمعرفيَّة الرهيبة والمهولة لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، ولولاهم لَـمَا التفت إِلى هذه النُّكْتَة العلميَّة والمعرفيَّة اللَّطيفة والدَّقيقة بشر قَطُّ ، بل لم يشمَّ رائحتها جملة المخلوقات وفي كافَّة العوالم غير المتناهية . وهذا برهانٌ ساطعٌ على علوِّ : مقاماتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) وشؤونهم وكمالاتهم ، ودالٌّ على اِنتهال علومهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ومعارفهم من معين الحضرة الرُّبوبيَّة من دون واسطةٍ. (2) بحار الأَنوار، 39: 348/ح30. مناقب آل أبي طالب، 1: 512 ـ 514. (3) بحار الأَنوار، 39: 347. (4) المصدر نفسه ، 26: 5/ح1. (5) معارج العًلىٰ: (مخطوط). (6) مصباح الهداية: 142. (7) التوبة : 74 . (8) التوبة: 59 . (9) مُحمَّد: 24. (10) المطففين: 14. (11) بحار الأَنوار، 47: 240/ح25. كنز الفوائد للكراجكي: 196. (12) بحار الأَنوار، 33: 57ـ60/ح398. نهج البلاغة/ باب: المختار من كُتُب أَمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ/28 ـ من كتاب له عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلى معاوية جواباً: 411 ـ 415. (13) بحار الأَنوار، 53: 178 ـ 180/ح9. غيبة الشَّيخ: 184 ـ 185. الاحتجاج: 253. (14) بحار الأَنوار، 83: 314 ـ 315/ح67. (15) المصدر نفسه ، 3: 311 ـ 312/ح5. الكافي، 1: 125. (16) بحار الأَنوار، 4: 40/ح18. (17) المصدر نفسه ، 39: 348. (18) مشارق أَنوار اليقين في أَسرار أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، الخطبة الإِفتخاريَّة: 165 ـ 166. (19) المصدر نفسه : 269 ـ 270. (20) بحار الأَنوار، 25: 169 ـ 174/ح38. (21)المصدر نفسه ، 27: 33 ـ 40/ح5. المحتضر: 71 ـ 76. (22) بحار الأَنوار، 25: 339/ح21. (23) المصدر نفسه ، 39: 194ـ 196/ح5. علل الشرائع: 65. (24) الحشر: 7 . (25) بحار الأَنوار، 17: 9/ ح16. بصائر الدرجات: 111 ـ 112. (26) بحار الأَنوار، 99/ الزيارة الثالثة: 146 ـ 159. (27) المصدر نفسه ، 97: 347 ـ 352. المزار الكبير: 97 ـ 101